الدرس الثامن عشر: غياب الزوج بحجة العمل

الفهم الرشيد للمشكلة

تعانى زوجات كثيرة من عقدة (مفهوم الرجل المهم) الذى يسيطر سلبا على شخصية وحياة الزوج. وفى هذا المفهوم يجب على الزوج – لكى يكون رجلا مهما وناجحا – أن يكون دائما مشغول جدا جدا جدا عن زوجته وعن بيته، من أجل عمله المهم جدا جدا جدا، وإلا يصبح رجلا تافها أو عاديا مثل كل الناس. وهذا الخلل فى مفاهيم الزوج يغيبه يعتبر حالة صعبة العلاج. وفى علم الإدارة، وفى علم الرشد، يعتبر انقطاع الزوج المطلق فى العمل (قلبا وقالبا) فشلا كبيرا منه فى إدارة عمله وفى إدارة حياته العائلية. كما ينتج ذلك المفهوم خيبة أمل كبيرة للزوجة فى زوجها الذى غيب نفسه بارادته فى غيبوبة العمل. ومع ذلك فلا يصح أن يكون سببا للطلاق طالما حافظ على الحد الأدنى من المعاشرة الزوجية التى تعف زوجته. وما على الزوجة إلا الصبر ومحاولة الإصلاح اللطيف والصبور والهادئ. فإذا لم تستطع الزوجة صبرا، أو إذا قصر زوجها فى واجباته الشرعية بما يعرضها للفتن، فمن حقها أن تطلب الطلاق. ذلك لأن من حق كل زوجة أن تجد رجلا عاديا – وليس مهما – يحيطها بعطائه ويملأ حياتها بتواصله ودفئه من كل جانب، فتلك هو المودة والرحمة والسكن الذى جعله الله ثمرة لشرعة الزواج.

التصرف الرشيد مع المشكلة

كلميه بضرورة التوازن بين الحياة المنعزلة فى غيبوبة العمل، وبين الحياة المتسعة لتتواصل مع الرب ومع الكون، ثم مع الزوجة والأولاد بصفته ربان سفينة حياتهم. فكيف يتركك طول النهار والليل كأنك أرملة، وكيف يترك أولاده كأنهم يتامى وهو حى يرزق ليأتيهم فقط فى الليل بعد أن يناموا. أقنعيه إن الإنسان لم يخلقه الله ليدور كل يوم فى ساقية العمل، فتلك صفة البهائم التى سخرها الله لذلك، ولكن خلق الله الإنسان ليتواصل مع ربه فى مواعيد معينه كل يوم، وليتواصل مع أهله كذلك فى مواعيد معينه تشمل جزأ من مواعيد الصلاة، وإلا فكيف سيأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها دون خوف على فقدان رزق؟. إقرأ قوله تعالى: “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)” طه. أما إسقاط الرجل لنفسه فى غيبوبة العمل بإرادته بحجة جمع المال فهى حجة ساقطة تسقطه فى درجة بهائم الساقية التى تعيش وتموت حولها دون أى مهمة أخرى فى الحياة. هل تريد أن تعيش وتموت فى ساقية العمل دون أن تشكر الله على نعمة الزوجة والأولاد. ألم تقرأ آية هؤلاء الذين غرقوا فى غيبوبة العمل “فما بكت عليهم السماء والأرض” لأنهم لم يشكروا الله على أنعمه فأورثها قوما غيرهم. إقرأ آيات الله ” وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)” الدخان.

التواصل مع الزوج لحل المشكلة

أيها الزوج المحترم: حفاظا على استدامة زواجك بأمان وسعادة، تدعوك زوجتك المخلصة – بكل حب ولطف – الى تخصيص وقت طبيعى يومى – ككل الأزواج – لتملأ بيتك عليها وعلى أولادك. فعليك أيها الزوج العزيز أن تدرك وتحفظ ما أنعم الله عليك من زوجة وأولاد، وأن تشكره عليها بأن تخصص لهم الوقت الكافى لترعاهم ولتتواصل معهم ولتصلى معه ولتعينهم على مواجهة تحديات الحياة بوجودك معهم، وبظلك عليهم، وبحبك يغمرهم، وبعاطفة الزوج والأبوة فى احتوائهم وتربيتهم ومشاركتهم أوقاتا سعيدة. وتلك هى مظاهر شكر النعمة لله، ومعانى السعادة فى الحياة العائلية. سارع ايها الزوج بتمتع نفسك وأهلك بنعم الله فيما تبقى من ايام العمر القليلة.

Scroll to Top